يتابع المرصد العراقي لحقوق الإنسان بقلق بالغ قضية وفاة المهندس بشير خالد، إثر تعرضه للتعذيب أثناء احتجازه في مركز شرطة حطين بالعاصمة بغداد. ويؤكد المرصد أن ما جرى لا يُعد حادثًا فرديًا أو استثناءً، بل هو انعكاس خطير لطبيعة مراكز الاحتجاز في العراق، التي تحولت في كثير من الحالات إلى بيئات خصبة للتعذيب والإهمال والانتهاك الممنهج لحقوق الإنسان.
بشير خالد، مهندس عراقي تم اعتقاله في 30 آذار 2025، بعد مشادة مع اللواء عباس علي التميمي، مدير الرواتب والأمور المالية في قيادة قوات الشرطة الاتحادية، داخل مجمع الأيادي السكني. نُقل إثر ذلك إلى مركز شرطة حطين، حيث بدأت فصول الانتهاك.
في تسجيل مصور تم تداوله على نطاق واسع، ظهر بشير وهو يرفض الخروج من القفص الحديدي داخل مركز الشرطة، حيث المزاعم بأن اللواء التميمي أرسل مجموعة أشخاص لاصطحابه بحجة نقله إلى موقع آخر.
كان واضحا من تصرفاته ورفضه القاطع أنه يدرك أن هذه المجموعة لا تتبع جهة أمنية رسمية، بل ترتبط مباشرة بالضابط المتنفذ في القضية. وفي نهاية المقطع، يُشاهد كيف قامت هذه المجموعة باقتحام قفص الاحتجاز بالقوة، وأجبرت بشير على الخروج عنوة، ليُنقل لاحقًا إلى سجن التسفيرات، وفقاً للنائب في البرلمان العراقي حسين عرب.
وقبل ذلك، وثق مقطع فيديو شجارا بين بشير وأحد الموقوفين داخل الزنزانة على خلفية خلاف حيث المزاعم بأن بشير "أخذ" ملابس أحد الموقوفين. وتُظهر الكاميرات كيف تطور الخلاف إلى اعتداء بالضرب داخل الحمّام، ما يُعد دليلاً إضافيًا على تركه دون أي حماية من قبل أفراد الشرطة.
لاحقا، وُثقت حالته داخل مستشفى الكرخ، حيث بدا في وضع صحي بالغ الخطورة، غير قادر على الحركة أو الكلام، بملامح شاحبة وآثار واضحة للإرهاق والتعذيب. تقارير طبية أكدت وفاته نتيجة فشل كلوي حاد ناتج عن الضرب والإهمال.
في 4 نيسان، أعلنت وزارة الداخلية نتائج تحقيقاتها الأولية، وأكدت وقوع شجار بين بشير واللواء عباس، واعتداء عليه داخل السجن من قبل موقوفين آخرين، مع تقصير في استجابة الخفر، مشيرة إلى تشكيل لجنة تحقيقية عليا منذ اللحظة الأولى، وتشكيل ثلاثة مجالس تحقيقية بحق كل من اللواء التميمي ونجله وضابط التحقيق ووجبة الخفر، فضلاً عن إحالة القضية إلى مديرية مكافحة إجرام الكرخ.
وفي مؤتمر صحفي عقده الناطق باسم وزارة الداخلية العميد مقداد ميري، تم الإعلان عن توقيف اللواء عباس وعدد من الضباط على ذمة التحقيق.
وإذ يرحب المرصد بهذا التحرك الرسمي كخطوة أولى، فإنه يشدد على أن العدالة لا تتحقق بإجراءات داخلية مغلقة أو قرارات إدارية شكلية، بل من خلال محاسبة شاملة وشفافة، وفتح تحقيق بإشراف القضاء، وبمشاركة مباشرة من المفوضية العليا لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني المستقلة.
يشير المرصد العراقي لحقوق الإنسان إلى أن ممارسات التعذيب في السجون ومراكز التوقيف ليست جديدة، بل هي سلوك ممنهج طال مختلف فئات المحتجزين، من متهمين في قضايا جنائية إلى موقوفين على خلفيات مدنية أو حتى إدارية. فقد وثّق المرصد في تقارير سابقة حالات استخدام الضرب، التعليق من الأطراف، الحرمان من النوم والطعام والعلاج الطبي، إضافة إلى الإهانة النفسية المتعمدة.
ويؤكد المرصد أن المسؤولية لا تقع فقط على من نفذ الاعتداء، بل تشمل أيضا كل من سهل وقوعه أو سكت عنه، بمن فيهم قادة مراكز الشرطة، ورؤساء الأجهزة المشرفة، والقيادات الأمنية في وزارة الداخلية. هؤلاء جميعًا مسؤولون قانونا عن ضمان سلامة الموقوفين، وأي إخفاق في ذلك يُعد شراكة فعلية في الجريمة.
ويذكّر المرصد الحكومة العراقية بأن العراق صادق عام 2011 على اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984، والتي تُلزم الدولة باتخاذ كل التدابير التشريعية والإدارية والقضائية لمنع التعذيب وملاحقة مرتكبيه، وتوفير سبل الانتصاف للضحايا.
يطالب المرصد العراقي لحقوق الإنسان، بإجراء تحقيق قضائي مستقل وشفاف، بإشراف مباشر من القضاء، وبمشاركة المجتمع المدني والمفوضية العليا لحقوق الإنسان، والإفصاح العلني عن جميع نتائج التحقيق، دون تأخير أو تلاعب، وتقديم كل المتورطين، بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى محاكمات علنية عادلة.
كما يطالب المرصد بمراجعة عاجلة لآليات الاحتجاز والتوقيف، وتفعيل الرقابة المستقلة على السجون ومراكز الشرطة.