المفوض السامي لشؤون اللاجئين الجديد برهم صالح
14-12-2025, 13:23



14 كانون الأول 2025


قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان (IOHR) إن ملف النزوح في العراق يقف اليوم عند مفترق حاسم، بعد أكثر من عقد على اندلاع موجاته الكبرى، وفي ظل واقع لا يزال يتسم بالهشاشة وانعدام الحلول المستدامة، وذلك بالتزامن مع تولّي الرئيس العراقي السابق برهم صالح منصب المفوض السامي لشؤون اللاجئين.


ويرى المرصد أن هذا التطور يشكّل فرصة سياسية وحقوقية مهمة لإعادة وضع معاناة النازحين العراقيين في صدارة الاهتمام الدولي، لا بوصفها أزمة إنسانية مؤقتة، بل قضية بنيوية ممتدة ترتبط بطبيعة الحكم، وسياسات ما بعد النزاع، وضعف الحماية الاجتماعية والقانونية.


تصف فرق الرصد التابعة للمرصد العراقي لحقوق الإنسان أوضاع الخيام في عدد من مواقع النزوح بأنها بيئات غير صالحة للعيش الإنساني على المدى الطويل، وقد تحولت من حلول طارئة إلى أماكن إقامة شبه دائمة لآلاف العائلات. فالغالبية العظمى من الخيام ما تزال مصنوعة من مواد خفيفة لا توفر عزلاً حقيقياً من الحرارة الشديدة صيفاً أو البرودة القاسية شتاءً، ما يجعل الحياة داخلها مرهقة صحياً ونفسياً، خصوصاً لكبار السن والأطفال.


وتشير تقديرات حصل عليها المرصد من خلال الرصد الميداني والمقابلات المباشرة إلى أن نسبة كبيرة من العائلات النازحة أمضت أكثر من خمس سنوات داخل الخيام، فيما أمضت بعض العائلات ما يقارب عقداً كاملاً دون انتقال فعلي إلى مساكن دائمة. ويؤكد نازحون قابلهم المرصد أن الخيمة، التي يفترض أن تكون ملاذاً مؤقتاً، تحولت إلى واقع يومي تفتقر فيه العائلة لأبسط مقومات الخصوصية والاستقرار.


ومنذ عام 2014، يتابع المرصد العراقي لحقوق الإنسان بشكل منهجي ملف النزوح الداخلي في العراق، من خلال فرق رصد ميدانية، ومقابلات مباشرة مع عائلات نازحة، ومتابعة أوضاع المخيمات ومناطق العودة، إضافة إلى توثيق أنماط الانتهاكات المرتبطة بالنزوح، بما في ذلك العودة غير الطوعية، وحرمان العائلات من الخدمات الأساسية، وفقدان الوثائق، والتمييز المجتمعي، وانعدام سبل العيش.


وخلال هذه السنوات، وثّق المرصد أن موجات النزوح لم تكن حدثاً عابراً مرتبطاً فقط بالحرب مع تنظيم داعش، بل تحولت إلى واقع اجتماعي طويل الأمد أعاد تشكيل حياة مئات الآلاف من العراقيين.


وتفيد إحصاءات ومعطيات حصل عليها المرصد من خلال الرصد المباشر والتقاطع مع مصادر محلية وحكومية، بأن أعداداً كبيرة من النازحين ما تزال تعيش في أوضاع غير مستقرة، سواء داخل مخيمات أُغلقت شكلياً دون توفير بدائل حقيقية، أو في مجتمعات مضيفة تفتقر إلى البنى التحتية والخدمات، أو في مناطق عودة تعاني من هشاشة أمنية، وغياب فرص العمل، وضعف الخدمات الصحية والتعليمية.


كما تشير هذه المعطيات إلى أن جزءاً واسعاً من ما يُصنَّف كـ“عودة” خلال السنوات الأخيرة لم يكن قائماً على تحسن فعلي في الظروف، بل جاء نتيجة تقليص الدعم، أو الضغوط الاقتصادية، أو الخوف من البقاء في المخيمات دون أفق.


وفي هذا السياق، قال رئيس المرصد العراقي لحقوق الإنسان مصطفى سعدون إن تعيين شخصية عراقية في موقع دولي رفيع معني باللاجئين والنازحين يجب أن يُقرأ بوصفه مسؤولية أخلاقية وسياسية مضاعفة تجاه العراقيين الذين ما يزالون يدفعون ثمن النزوح حتى اليوم.


وأضاف: "النزوح في العراق لم يعد ملفاً طارئاً أو مرتبطاً بمرحلة الحرب فقط، بل أصبح واقعاً اجتماعياً متجذراً. أطفال وُلدوا في المخيمات، وشباب كبروا دون استقرار، وعائلات فقدت الثقة بالوعود المتكررة. هذه ليست أرقاماً، بل حياة كاملة معلّقة. اليوم، ومع تولي الرئيس السابق برهم صالح هذا المنصب، نأمل أن يُعاد فتح ملف النزوح العراقي بجدية، وأن يكون صوت النازحين حاضراً في السياسات الدولية باعتبارهم قضية مفتوحة لم تُحل".


وأكد سعدون أن "المجتمع الدولي مطالب بالانتقال من منطق إدارة النزوح إلى معالجته جذرياً، عبر مقاربة قائمة على الحقوق، تضمن الطوعية، والأمان، والكرامة، وتحاسب أي سياسات تؤدي عملياً إلى إعادة إنتاج الهشاشة أو فرض عودة غير مستدامة تحت مسميات إدارية".


تُظهر معطيات المرصد أن عدداً كبيراً من المخيمات يعاني من نقص حاد في شبكات الصرف الصحي والمياه الصالحة للشرب. ففي بعض المواقع، تشترك عشرات العائلات في مرافق صحية محدودة، ما يرفع من مخاطر انتشار الأمراض الجلدية والمعوية، خاصة خلال فترات الصيف. كما أبلغ نازحون عن انقطاعات متكررة في المياه والكهرباء، أو توفرها لساعات محدودة فقط في اليوم.


وتشير تقديرات المرصد إلى أن نسبة كبيرة من الأطفال في سن الدراسة داخل المخيمات تعاني من انقطاع جزئي أو كامل عن التعليم، إما بسبب بُعد المدارس، أو نقص الكوادر التعليمية، أو اضطرار العائلات إلى تشغيل أطفالها للمساهمة في تأمين الاحتياجات الأساسية. هذا الواقع، بحسب المرصد، يهدد بإنتاج جيل كامل نشأ خارج منظومة التعليم النظامي، ما يضاعف آثار النزوح على المدى البعيد.


كما وثّق المرصد أن العديد من العائلات تعيش داخل الخيام دون وثائق مدنية مكتملة، سواء بسبب فقدانها أثناء النزوح أو صعوبة استصدارها لاحقاً، وهو ما يقيّد وصولها إلى الخدمات الصحية والتعليمية والحماية الاجتماعية، ويجعلها في حالة هشاشة قانونية مستمرة.


ويخلص المرصد العراقي لحقوق الإنسان إلى أن استمرار الإقامة في الخيام لسنوات طويلة لم يعد مسألة إنسانية فقط، بل بات مؤشراً على فشل السياسات العامة في الانتقال من الاستجابة الطارئة إلى الحلول المستدامة. فهذه الخيام، بما تحمله من هشاشة، تعكس واقع نزوح لم يُعالج من جذوره، وتُبقي مئات الآلاف من العراقيين في حالة انتظار مفتوحة بلا أفق واضح.


قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن المعطيات الميدانية التي جمعها خلال الأشهر الأخيرة تكشف واقعاً أكثر تعقيداً مما يظهر في التقارير العامة. وأوضح أن عدداً كبيراً من العائلات التي غادرت المخيمات لم تفعل ذلك لأنها حصلت على حل دائم، بل لأنها لم تعد قادرة على البقاء في ظل تراجع الدعم وانعدام الخيارات.


وأضاف: "ما نشهده اليوم هو انتقال من نزوح معلن إلى نزوح غير مرئي. عائلات تعيش على أطراف المدن، أو في مناطق عودة غير مهيأة، دون حماية قانونية أو ضمانات خدمية. هذا الشكل من النزوح أقل ظهوراً، لكنه أكثر خطورة".


وأشار إلى أن "النساء والأطفال هم الفئة الأكثر تضرراً من هذا الواقع، مع تسجيل حالات متزايدة من التسرب المدرسي، وتراجع الوصول إلى الرعاية الصحية، وازدياد المخاطر المرتبطة بالفقر والعمل غير المستقر".


بدوره، قال مسؤول قسم الرصد في المرصد العراقي لحقوق الإنسان ميثم أحمد إن "استمرار هذا الوضع يطرح إشكالات قانونية جدية تتعلق بالتزامات الدولة العراقية تجاه مواطنيها، والتزاماتها الدولية ذات الصلة بالنزوح الداخلي. وأوضح أن العراق ملزم دستورياً بحماية كرامة مواطنيه، وملزم دولياً بمبادئ الطوعية وعدم الإكراه وضمان العودة الآمنة والكريمة.


وأضاف: "أي سياسات تؤدي إلى إغلاق المخيمات أو دفع الناس إلى العودة دون ضمانات أمنية وخدمية وقانونية حقيقية، تضع الدولة أمام مسؤولية قانونية مباشرة، وقد ترقى إلى انتهاك واضح للمعايير الدولية".


وأشار إلى أن "غياب أطر قانونية واضحة لإدارة العودة، وعدم ضمان الوثائق المدنية، والسكن، وسبل العيش، يضع آلاف العائلات في فراغ قانوني خطير يهدد حقوقها الأساسية ويعيد إنتاج أسباب النزوح نفسها".


ويرى المرصد العراقي لحقوق الإنسان أن تولي برهم صالح منصب المفوض السامي لشؤون اللاجئين يمكن أن يشكل نقطة تحوّل إذا ما استُثمر لإعادة تسليط الضوء على النزوح العراقي من زاوية دولية أكثر جدية، تربط بين الاستجابة الإنسانية والحلول السياسية والاقتصادية طويلة الأمد، وتعيد التأكيد على أن النزوح ليس قدراً محتوماً، بل نتيجة سياسات يمكن تصحيحها.


ويؤكد المرصد أن إنهاء النزوح في العراق يتطلب شراكة حقيقية بين الحكومة الاتحادية، والسلطات المحلية، والمجتمع الدولي، بإشراف أممي فعّال يضمن عدم ترك النازحين أمام خيارين قاسيين: البقاء في الهشاشة أو العودة القسرية. كما يشدد على أن حماية حقوق النازحين اليوم تمثل اختباراً حقيقياً لصدقية الدولة العراقية، ولجوهر النظام الدولي المعني بحماية الإنسان وكرامته، أينما كان.